سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} أي في قصتهم وحديثهم {ءايات} علامات ودلالات على قدرة الله وحكمته في كل شيء. {آية} مكي {لّلسَّائِلِينَ} لمن سأل عن قصتهم وعرفها، أو آيات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم للذين سألوه من اليهود عنها فأخبرهم من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب، وأسماؤهم: يهوذا وروبين وشمعون ولاوي وزبولون ويشجر وأمهم ليا ليان، ودان ونفتالي وجاد وآشر من سريتين زلفة وبلهة، فلما توفيت ليا تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف.
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىَّ أَبِينَا مِنَّا} اللام لام الابتداء وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة، أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابت لاشبهة فيه. وإنما قالوا {وأخوه} وهم إخوته أيضاً لأن أمهما كانت واحدة، وإنما قيل {أحب} في الاثنين لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر والمؤنث، ولا بد من الفرق مع لام التعريف وإذا أضيف ساغ الأمران. والواو في {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} للحال أي أنه يفضلهما في المحبة علينا وهما صغيران لا كفاية فيهما ونحن عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقه، فنحن أحق بزيادة المحبة منهما لفضلنا بالكثرة والمنفعة عليهما {إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلال مُّبِينٍ} غلط في تدبير أمر الدنيا ولو وصفوه بالضلالة في الدين لكفروا. والعصبة العشرة فصاعدا {اقتلوا يُوسُفَ} من جملة ما حكى بعد قوله {إذ قالوا} كأنهم أطبقوا على ذلك إلا من قال: لا تقتلوا يوسف وقيل: الآمر بالقتل شمعون والباقون كانوا راضين فجعلوا آمرين {أَوِ اطرحوه أَرْضًا} منكورة مجهولة بعيدة عن العمران وهو معنى تنكيرها وإخلائها عن الوصف ولهذا الإبهام نصبت نصب الظروف المبهمة {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم، والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم، لأن الرجل إذا أقبل على الشيء أقبل بوجهه، وجاز أن يراد بالوجه الذات كما قال: {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27] {وَتَكُونُواْ} مجزوم عطفاً على {يخل لكم} {مِن بَعْدِهِ} من بعد يوسف أي من بعد كفايته بالقتل أو التغريب، أو من بعد قتله أو طرحه فيرجع الضمير إلى مصدر (اقتلوا) أو (اطرحوا) {قَوْمًا صالحين} تائبين إلى الله مما جنيتم عليه أو يصلح حالكم عند أبيكم.


{قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} هو يهوذا وكان أحسنهم فيه رأياً {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} فإن القتل عظيم {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب} في قعر البئر وما غاب منه عن عين الناظر. غيابات وكذا ما بعده: مدني {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} بعض الأقوام الذين يسيرون في الطريق {إِن كُنتُمْ فاعلين} به شيئاً {قَالُواْ يأَبَانَا مالك لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لناصحون} أي لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونشفق، عليه وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن رأيه وعادته في حفظه منهم وفيه دليل على أنه أحسن منهم، بما أوجب أن لا يأمنهم عليه {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ} نرتع نتسع في أكل الفواكه وغيرها والرتعة السعة {وَيَلْعَبْ} ونلعب نتفرج بما يباح كالصيد والرمي والركض. بالياء فيهما مدني وكوفي، وبالنون فيهما: مكي وشامي وأبو عمرو، وبكسر العين: حجازي من ارتعى يرتعي افتعال من الرعي {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} من أن يناله مكروه.


{قَالَ إِنّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} أي يحزنني ذهابكم به واللام لام الابتداء {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافلون} اعتذر إليهم بأن ذهابهم به مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة وأنه يخاف عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب} اللام موطئة للقسم والقسم محذوف تقديره والله لئن أكله الذئب. والواو في {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي فرقة مجتمعة مقتدرة على الدفع للحال {إِنَّا إِذَا لخاسرون} جواب للقسم مجزئ عن جزاء الشرط أي إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا إذا وخسرناها، وأجابوا عن عذره الثاني دون الأول لأن ذلك كان يغيظهم.
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَةِ الجب} أي عزموا على إلقائه في البئر وهي بئر على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام، وجواب {لما} محذوف تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى، فقد روي أنهم لما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا يقتلونه فمنعهم يهوذا، أرداوا إلقاءه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه في البئر، وكان فيها ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فقام عليها وهو يبكي وكان يهوذا يأتيه بالطعام. ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف فأخرجه جبريل وألبسه إياه {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} قيل: أوحي إليه في الصغر كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهما السلام. وقيل: كان إذ ذاك مدركاً {لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا} أي لتحدثن إخوتك بما فعلوا بك {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنك يوسف لعلو شأنك وكبرياء سلطانك، وذلك أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون، دعا بالصواع فوضعه على يديه ثم نقره فطن فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وأنكم ألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيه أكله الذئب وبعتموه بثمن بخس، أو يتعلق {وهم لا يشعرون} ب {أوحينا} أي آنسناه بالوحي وأزلنا عن قلبه الوحشة ولا يشعرون بذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8